تحليل نظرية العدالة

لجون رولز

 

 

 

السيد عبد المطلب غانم

كلية الاقتصاد العلوم السياسية

جامعة القاهرة

 

1999

 

 

المحتويات

نظرة عامة     *

الباب الأول: بناء النظرية     *

1. تحديد مبادئ العدالة     *

2. تأويل مبدأي العدالة     *

3. الدفاع عن مبدأي العدالة: المركز الأصلي     *

4. أولوية الحرية     *

5. أولوية الحرية واستقرار المجتمع     *

الباب الثاني: الاقتراب     *

1. إطار إجراء القرار في علم الأخلاق     *

2. النظرية الخلقية ( بين رولز وكانط)     *

3. التوازن التأملي     *

4. تدريب في الحجة     *

5. العدالة كإنصاف: سياسية لا ميتافيزيقية     *

الباب الثالث: المسائل والموضوعات     *

1. تعريف الأقل حظا     *

2. التفاوت الطبيعي     *

3. الملكية     *

4. التوفيق بين الحرية والمساواة     *

5. العقوبة     *

6. العصيان المدني     *

7. فشل نظرية العدالة     *

المراجع     117

 

 

 

نظرة عامة

تعترض الدارسين ثلاث آفات؛ أسأل الله تعالي السلامة منها: الأولي قلة الفهم، لا يرون غاية العلم والتنظير هي الفهم، وأن الفهم يقتضي التحليل والنقد، فينزعون المسائل من سياقها، ويحملونها بالمعاني التي يريدون لا التي يريد أصحابها، يرون الامتياز في كثرة المراجع وتردد أسماء الأعلام من العلماء والمنظرين والفلاسفة، لا في عمق الفكرة والمحاجة لها أو ضدها.

الآفة الثانية يعبر عنها " كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، فلا يضعون ما يقرأون، وربما ما يفهمون، في سياق حجة لهم، فنألف منهم " تتعدد التعريفات"، فيذكرون الكثير دون اتساق في بناء، ونألف منهم " تتعدد وجهات النظر"، ولا نجد رابطة بين ما يعددون وما يريدون قوله، وأسوأ من هذا أمران: نسب أمر إلي شخص وما قال به هذا الشخص علي الأقل علي النحو الذي ذكروا، وذكر أمر قال به صاحبه حقا لكن في سياق يصدق فيه، ما هو بصادق في سياقهم.

الآفة الثالثة مرتبطة بسابقتها، إنها الانتقائية في الأفكار، فإذا بالمقدمة في موضع النتيجة، والنتيجة بمثابة الرأي، والواقعة صارت قانونا، لقد وصل بي الأمر إلي أن أفكر في وضع كتاب في " أدب القراءة"، لكم أعاني من مثل من قال: " ولا تقربوا الصلوة" ثم صمت وبني عليها حكما وحجة ونتيجة، ولكم أعاني ممن وقف علي القشور فاكتفي ولم يسبر غورا ولم يتدبر أمرا، لم يفكر كيف وصل الكاتب إلي هذا، ولا لماذا أراد هذا لا نقيضه أو مناهضه، ولا ما مدى سلامة البناء ومصداقية الحجة.

لعل " نظرية العدالة" لجون رولز من الأعمال النادرة التي توفر درسا جيدا للدارسين ولأرباب القلم علي السواء، فما أكثر ما عدل فيها صاحبها، وما أضخم ما كتب عنها الآخرون، وإنها لخبرة نتعلم فيها كيف نقرأ وكيف نبني الحجة وكيف ننتقدها، وما أقدم هذا المؤلف لهذا الغرض فحسب فهناك اعتباران آخران تعلقا بقيامي بتدريس مقرر " النظرية السياسية" لطلاب الدراسات العلا بقسم العلوم السياسية ( كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة).

الاعتبار الأول: اهتمام أصيل بالسؤال: العدالة والمساواة والحرية؛ أتصح أعمال الحكومة العصرية؟" إنه سؤال يثير الكثير والكثير من القضايا والاهتمامات، لعل أهمها: تلك الفجوة البادية للعيان بين درس مقررات مثل النظرية ( سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، الخ) ودرس ظواهر الحياة، الفجوة الكامنة في عقول المثقفين بين النظرية القيمية والنظرية الإمبيريقية، الخلط المسيطر علي الخطاب بين الأيديولوجية والفلسفة والعلم ومعرفة البداهة، كيفية تقويم أعمالنا وقوانيننا وسياساتنا؛ إن قومناها، وكيف نؤسس ونحبذ مقترحات الإصلاح، أو حتى كيف نديرها.

الاعتبار الثاني نظرة إلي القيم تتشكل تدريجيا ولم تنضج بعد، ولكن ملامحها هي:

الحق أساس الوجود ومرماه، العدل تاجه، الحرية مصباحه، الكفاية غايته، الشرعية مقايسته، الفعالية حسابه، الكفاءة وسيلته، المساواة عكازه.

الحق : لا شيء يبقي إلا الحق، تسعي إليه البشرية حتى قيام الساعة، حينئذ يقضي الله تعالي بينهم بالحق ذاته.

العدل : إن لم تتسم حركة الكون بالتناغم والانسجام، فلن تكون إلا ضرب عشواء وضروبا من الصدام، ولا طريق إلي التناغم والانسجام إلا العدل، فالعدل تاج الوجود، قيمته العليا، وإن بقي الناس في تظالم أبد الآبدين.

الحرية : جماع الانعتاق والإرادة، بدونها يقاد المرء أو يسير، فلا حساب ولا مسئولية، ولا مطالب ولا قدرة، هي الضوء علي طريق العدل إلي الحق.

الكفاية : غاية العمران البشري، علي مستوى الفرد والجماعة.

الشرعية : مقايسة التمييز بين الصواب والخطأ، بين ما يجب وما لا يجب.

الفعالية : مقياس الأعمال، سواء كانت فاعلة مؤثرة أو تصوّر أنها كذلك.

الكفاءة : وسيلة تعظيم الفاعلية والكفاية.

المساواة : عصا يتوكأ عليها من يعجز لا من يقصر، وإذا نبع العجز من غيره لا منه هو.

بغض الطرف عن صياغة هذه النظرة، فإني أبحث فيما أقرأ عن حجج تؤيدها أو حجج تدحضها أو حجج تعدلها.

نقسم المعالجة إلي ثلاثة أبواب، يقدم أولها بناء نظرية رولز كما فهمتها من نصه الأول " نظرية العدالة"، ولذلك ستكون بعض الأفكار الواردة فيما بعد تطويرات أو توضيحات وضعها رولز نفسه، ويركز الباب الثاني علي اقتراب جون رولز في بناء هذه النظرة، ثم يعالج الباب الثالث بعض المسائل والقضايا المحورية التي تطرحها وتثيرها النظرية، ونسبق كل هذا في هذه المقدمة بنظرة عامة علي النظرية.

وليدرك القارئ قيدين: الأول؛ ليس في وسعي، وإن كان في طاقتي، أن أتابع كل ما كتب رولز أو كل ما كتب عن نظريته، وربما إن زاد اطلاعي زاد هذا العمل إحكاما، ويكفيني القول أنه أعد كمحاضرات، ولذلك لا تخلوا من تكرار، وكذلك لا تخلوا من فجوات، الثاني؛ أننا لا نهتم بنظرية العدالة التي وضعها جون رولز لذاتها، كتجربة فكرية، ولا نهتم بها كما لو كنا أبناء الحضارة الغربية التي تعبر عنها ووضعت في سياقها، وإنما نهتم بها لأنها تمس بعض احتياجاتنا، ولأن بعض جوانبها تتسق مع حضارتنا، فضلا عن كونها درسا تعليميا.

مادة موضوع العدالة: السلع الأساسية والتنظيم الاجتماعي : تضم نظرية العدالة عند رولز ثلاثة عناصر:

- تصور للشخص: فاعل أخلاقي حر ومتكافئ ( ند)، متكافئ بمعنى أن الأفراد ينظرون إلي بعضهم البعض على أنهم أصحاب حقوق في احترام وعناية متساويين وفي اختيار المبادئ التي ستنظم الترتيبات الأساسية لمجتمعهم، وحر بمعنى أن لهم حق ترتيب وإعادة ترتيب أهدافهم الأساسية كما يرون، فلا يرون أنفسهم محددين تماما بأي مجموعة جزئية من الغايات التي قد يتقفونها في أي لحظة.

- تصور للعلاقات بين الأشخاص: تحصل في إطار ندرة معتدلة حيث لا تفي ثمار جهود المجتمع المشتركة بما يصنع الناس من مطالب، وللناس تصورات مختلفة للصلاح، ويصفون ادعاءات متعارضة تجاه كل الآخر، لديهم اعتقادات متعارضة: دينية، وفلسفية، وأخلاقية.

- تصور للبنية العامة وغايات التعاون الاجتماعي: التعاون الاجتماعي منظم حول بنية أساسية توزع كل ما هو أساسي من سلع وآفاق حياة؛ كالحريات السياسية والحقوق الشخصية ( الحقوق السياسية والمدنية التي يتمتع بها المواطن)، والفرص الاقتصادية والاجتماعية ( الفرص والموارد المتاحة لأعضاء المجتمع)، نظرية العدالة معنية في النهاية بمسألة ما هي المبادئ التي تستخدم في “توزيع الحقوق والواجبات الأساسية وتحدد توزيع ثمار التعاون الاجتماعي" ( عدالة:7)، فالتركيز على العدالة “التوزيعية لا العدالة “التصحيحية، ومهمة رولز وضع مجموعة مبادئ لتوزيع السلع داخل المجتمع، ولم يفد من تبرير أرسطو وجود نمط مسبق لتوزيع فرص الحياة هذه في المجتمع؛ من خلال اللجوء إلي أفكار الجدارة أو الاستحقاق، وأصر على أنه لا يمكن تبرير كل التفاوتات في التوزيع على أساس أن من يملكون أكثر لسبب ما جديرون بذلك أو يستحقونه، يتمتع أفراد بعينهم بمزايا بعينها لمجرد حظ سعيد؛ أنهم ولدوا لأبوين يملكون الكثير من سلع معينة ( الثروة، نفوذ، تعليم)، ويوهب أفراد بعينهم مهارات ومواهب طبيعية بعينها تسمح لهم بالنجاح في مساعي بعينها أكثر من غيرهم، ويؤكد رولز أن الحظ السعيد لا يستحق بذاته مكافأة؛ فلا يمكن أخلاقيا مدح أن أبويه كيت وكيت أو أن مواهبه نافعة، فهل من مبادئ أخري تبرر توزيعا معينة نجده في المجتمع أو توزيعا آخر يمكن تبريره.

تحديد مبادئ العدالة: المنفعة مقابل العقد : اعتبر رولز مذهب المنفعة أكبر منافس لمذهبه ( كأنما مذهبه استجابة للمنفعة)، فقد قدم مذهب المنفعة أكثر التصورات بساطة ومباشرة للحق والعدل: تعظيم الخير، معبرا عنه بالمنفعة، ولم يعن بكيفية توزيع مجموع الإشباعات بين الأفراد؛ أن تكون مكاسب البعض خسائر البعض الآخر، يقوم المذهب على مضاهاة محل نقاش بين الفرد والمجتمع، فتماما كما يستطيع المرء أن يختار الموازنة بين المكاسب والخسائر ( كالالتحاق بالدراسات العلا رجاء شغل منصب مجز) ينبغي أن يكون المجتمع قادرا على تحمل خسائر بعينها ( مضار لأفراد بعينهم) إذا كانت تحقق كسبا عاما أعظم ( الخير الأعظم لأعظم عدد).

مشكلة هذا الاقتراب أنه ينال من حقوق أفراد بعينهم داخل المجتمع: يستخدمهم كأدوات لغايات غيرهم، كالعبودية، فوجود نظام العبيد في جنوب الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية كان ميزة للأمة ككل ( عمل رخيص مكن من ازدهار صناعة النسيج، وأعطى الولايات المتحدة مركزا عظيما في السوق العالمي)، لكن من العسير أن يبنى هذا النظام ليكون عادلا، وكالتضحية من أجل أجيال مقبلة؛ فتخفيض مستوى معيشة الجيل الحالي أو زيادة ساعات العمل اليومي يقدم لا ريب خيرا كثيرا للجيل القادم ( كانت هذه حجة استالين: ضحوا الآن من أجل رخاء المجتمع في المستقبل)، فكيف يكون هذا عدلا؟

توجد طرق في مذهب المنفعة للتعامل مع بعض هذه المشكلات ( أي عدم خرق حقوق معينة عند تطبيق مبدأ السعادة العامة؛ راجع كيف يعمل مبدأ التعويض)، ومن الممكن القول أن تعريف ميل المنفعة باصطلاح “الإنسان ككائن تقدمي” ينكر أن بعض هذه الصياغات المعترض عليها تجتاز اختبار المنفعة، لكن رولز استجاب لهذه الاعتراضات بوضع ما اعتبره اقترابا غير نفعي للعدالة.

تحول رولز إلي تقليد العقد الاجتماعي كبديل، فحاول صياغة المبادئ التي قد يختارها أشخاص أحرار وعقلاء للمجتمع، إذا كان لهم أن يضعوا تلك المبادئ من مركز مساواة أولى ( = حالة الفطرة)، استبعد كل شيء جاء نتيجة الصدفة أو التقاليد: ما نوع المجتمع الذي نختار إذا كنا أحرارا في اختيار كل شيء، وإذا اخترنا كل شيء باتفاق مع الآخرين المتساوين معنا والأحرار مثلنا في خياراتنا ؟

يناظر “المركز الأصلي” عند رولز “حالة الفطرة” عند منظرى العقد الاجتماعي، فكلاهما ليس حالة تاريخية فعلية إنما موقف افتراضي، لكن رولز يقترب من كانط أكثر منه إلي هؤلاء، فلا يستبعد الملامح العارضة للإنسان التي تصل إلي مجموعة من الرغبات والنزوات التي تجعله يكون نوعا معينا من المجتمعات، ويشكل بنية تنظيرية تواجهنا بمهمة تحديد ما هي المبادئ العامة التي يمكن أن نلجأ إليها عندما لا نستطيع الاتفاق على غايات ملموسة محددة ( مبادئ التحمل الديني كنموذج: قد لا تستطيع الوصول إلي اتفاق علي صياغات دوجماتية جزئية، وتستطيع الوصول إلي اتفاق على تحمل الضمير الفردي/ حرية الاختيار).

وصف رولز المركز الأصلي في ثلاث نقاط: ما الذي سيعرفه المتعاقدون، وماذا يعرفون وكيف يفكرون في الأشياء.

يصنع المتعاقدون اختيارهم وراء “ستار الجهل”، فلا يعرفون مكانهم في المجتمع، ولا يعرفون ما سيحصلون عليه من الأرصدة الطبيعية والذكاء. الخ..، ولا يعرفون تصورهم للخير ( مثل: أفضل حياة حياة الصراع البطولي، أفضل حياة حياة التأمل الهادئ)، ولا يعرفون نزوعاتهم السيكولوجية الخاصة ( مثل: لا يستطيعون تحمل الصراع وتوكيد الذات، ولا يستطيعون تحمل النمطية).

تستبعد هذه المعرفة لمنع التقاط موقف يفيد المتعاقدين لديهم مواهب وقدرات جزئية، فلابد من وضع القواعد قبل معرفة من سيحصل على ماذا، وإلا أعطيت ميزة غير عادلة لذوى المواهب الخاصة.

لا يمكن أن يكون المتعاقدون في جهل مطبق وإلا لما استطاعوا التقاط أي شيء، فيعرفون المصالح التي يخدمها امتلاك واستخدام سلع أولية معينة، وبالتالي يعرفون أنواع الأشياء التي يهتمون بتوزيعها، ولديهم بعض المعرفة بالاقتصاد والسياسة والاجتماع، ومن ثم يستطيعون تقييم العواقب المختلفة للتوزيعات المختلفة للسلع الأولية، ويعرفون ما يكفي عن السيكولوجية الأخلاقية ( علم النفس الأخلاقي) ليعرفوا أن المبادئ التي اختاروها ستكون فعلا مبادئ “مستقرة”، وكافية ليلتزم بها الناس فعلا ( أي؛ لا تتطلب أن يكون الناس ملائكة).

يفكر المتعاقدون بطريقة عقلانية وبشكل غير مقارن، يعنون بالمصالح الذاتية، لكن دون حسد، يعنون بما سيحصلون عليه من مخطط التوزيع، لكن لا يقارنون صراحة ما يحصلون عليه بما يحصل عليه الآخرون، لديهم فكرة عن العقلانية خلو من أي محتوى أخلاقي يثير الجدل: حساب بسيط للميزة الاقتصادية.

ماذا يختار المتعاقدون؟: مبدآن للعدل: في موقف الاختيار هذا يتفق الأفراد على مبدأين لهيكلة المجتمع:

المبدأ الأول: “لكل شخص حق متساو في أقصى قدر من الحرية الأساسية مقارنة بمخطط مشابه للحريات للجميع”، يلزم هذا عن الموقف الافتراضي للمتعاقدين كمتكافئين يستحقون معاملة متساوية واحتراما متساويا، فلا يستطيعون التقاط مجموعة من الترتيبات التي تخرق هذه السمة الأساسية ( فمثلا: لا يستطيعون اختيار مجتمع يملى سلطويا اعتقادات دينية أو أذواق شخصية، إذ يعرف الأفراد أنهم كأحرار لا يمكن أن يتماهوا مع مجموعة واحدة من الأهداف أو الغايات)، أما الشكل المؤسسي لهذا المبدأ فدستور سياسي يضمن حريات أساسية معينة ( إعلان حقوق).

المبدأ الثاني؛ وهو أكثر إثارة للجدل، “لابد أن تفي التفاوتات الاجتماعية بشرطين: لابد أن تكون ( أ ) لأقصى فائدة للأقل حظا، و(ب) مرتبطة بمناصب ومراكز مفتوحة ( متاحة ) للجميع في ظل شروط الفرصة المنصفة، فلماذا اختيار أقصى فائدة للأقل حظا؟ لا يمكن عقلانيا اختيار آلية توزيع تنتج أعظم منفعة كلية؛ فمع افتراض الغيرية، أو مركز أخلاقي جزئي آخر، يجعل الفرد الأقل حظا سعيدا بازدهار المجتمع عموما حتى لو كانت العاقبة سوء حظه، بدل ذلك يختار نظام توزيع يتحمل التفاوتات فقط إلي الحد الذي يظهر معه أنها لصالح الأقل حظا ( يمكن الدفاع عن تلك التفاوتات بحجة آدم سميث عن الرأسمالية والحجج النمطية لاستقطاع جزء من المكاسب الرأسمالية؛ كل شيء معلق بالكفاية الإمبيريقية لادعاء أن تلك الترتيبات لصالح الأقل حظا ( الأسوأ حالا) حتى إن كانت تحدث تفاوتا اجتماعيا، بناء على هذا المبدأ يرتب البناء الاجتماعي بحيث لا يكسب ( أو يخسر) أحد نتيجة حظه في “توزيع المواهب والقدرات طبيعيا” أو من مركز أولى في المجتمع دون أن يعطى ( أو يتلقى) ميزة تعويضية في المقابل” ( عدالة: 202 ).

لهذا المبدأ عدة مضاعفات مؤسسية؛ تمتد مسئوليات الحكومة إلي أبعد من الحفاظ على نظام الحقوق المدنية والسياسية ( اللازم عن المبدأ الأول)، فتؤدى على الأقل وظائف أربعة إزاء الاقتصاد من خلال السياسات الضريبية والنقدية.

- التخصيص: تضمن أن يبقى الاقتصاد تنافسيا، تحول دون تكوين قوة سوق غير معقولة.

- التثبيت: عليها مسئولية ضمان التوظف الكامل، ضمان عدم وجود هدر نتيجة الفشل في استغلال الموارد.

- تحويل: تسمح للسوق بوضع الأسعار والتعامل مع تخصيص العمل والموارد ، ولما كان السوق غير معنى بمسائل الحاجة الفردية، فلابد من وظيفة منفصلة لضمان حصول كل مواطن على “الحد الأدنى الاجتماعي” ( مثلا من خلال سياسة ضريبية أو آلية تحويل أخرى (.

- التوزيع : الحفاظ على التوزيع العادل للدخل على مر الزمن من خلال نظام للمنح وضرائب الثروة ( لا يستهدف زيادة الحصيلة وإنما تحاشى تركيز الثروة الأمر الذي يؤدى إلي قيود على الحرية والمساواة في الفرص) مع زيادة الحصيلة لتغطية نفقات السلع العامة وإجراء التحويلات، هلم جرا.

المبرر العام لهاذين المبدأين: توطيد الحقوق الأساسية كأنداد، مع تنحية العوارض جانبا، فلا يمكن التسليم بأن عوارض المواهب أو المناصب في المجتمع تستحق مكافأة؛ فعندما تكون الفروق بين الأفراد نتاج الطبيعة؛ فكيف يهيكل المجتمع- بحيث يستجيب لهذه الفروق ويكافؤها- فعاقبة الفعل البشرى توفر بنية عامة للمجتمع تجعل الفروق الطبيعية لنفع الجميع.

تمدنا بترتيب هو أفضل اختيار يصنع تحت ستار الجهل فأي ترتيب آخر يتركنا أسوأ حالا تبعا للمركز الذي قدر أن نبدأ منه، وقد لا تحظى الترتيبات الأخرى برضا الآخرين في المركز الأصلي إنما نبحث عن ترتيب يحظى بالإجماع.

 

 


الموقع

بيانات شخصية

المقررات الدراسية

التحليل السياسي

البحوث العلمية

إعادة بناء المشروع العلمي لأفلاطون

مشروعات المجتمع الجديد

أنباء وآراء

واحة التدريب

El Sayed A.M.A. Ghanem
Copyright © 2001 by Ghanem. All rights reserved.
Revised: 15 Oct 2001 22:26:25 .
Retrieved: