تحليل نظرية المسوغات

لروبرت نوزيك

 

 

 

 

 

السيد عبد المطلب أحمد غانم

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

جامعة القاهرة

 

 

 

 

‏1999

 

 

المحتويات

مقدمة     *

الباب الأول: بناء النظرية

1. دولة الحد الأدنى     *

2. شرعية دولة الحد الأدنى     *

3. حجة دولة الحد الأدنى     *

4. الإطار الطوبائي     *

الباب الثاني: الاقتراب

1. تقويم حجة دولة الحد الأدنى     *

2. تبرير الدولة     *

3. اعتراض فوضوي فردي     *

4. ضد العدالة التوزيعية     *

الباب الثالث الموضوعات

1. نظرية المسوغات     *

2. الاستقرار والطوبائية     *

3. حجة لصالح دولة الرفاه     *

4. مبدأ التعويض     *

قائمة مراجع     *

 

 

 

مقدمة

 

نقدم نظرية المسوغات كدرس تعليمي أكثر منها كموضوع، وإن كان الموضوع يطرح مسائل كثيرة للمناقشة؛ قد تهم الجيل القادم أكثر مما تهم الجيل الحالي، ففي الباب الأول من كتاب نوزيك يتعلم الدارس كيف يعيد بناء فكر ألفه؛ كيف يعيد بناء ما عرف عن حالة الفطرة في حجج جديدة، ولقضايا قد لا تكون جديدة ولكنها وثيقة الصلة بعصره، وهذا درس لمن يتعامل مع التراث، وفي الباب الثاني يتعلم – علي الأقل- أمرين: كيف يلملم الأفكار التي تبدو شائعة في بناء تنظيري، وكيف يقرأ نظرية أخري من منطلق تصور لديه، فيبرز اختلافها عن تصوره، ويقدر مبررات هذا الاختلاف، وفي الباب الثالث يتعلم الدارس مسألتين: الأولي كيف يحول المرء النظام السياسي لمجتمعه إلي طوبائية، فقد قدم نوزيك الفيدرالية الأمريكية ونظام الحكم المحلي في المجتمع الأمريكي كإطار للطوبائية، والثانية كيف يستعمل المرء مخطط الفلترة في بناء تصور ما.

هناك اعتباران آخران تعلقا بقيامي بتدريس مقرر " النظرية السياسية" لطلاب الدراسات العلا بقسم العلوم السياسية ( كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة).

الاعتبار الأول: اهتمام أصيل بالسؤال: العدالة والمساواة والحرية؛ أتصح أعمال الحكومة العصرية؟" إنه سؤال يثير الكثير والكثير من القضايا والاهتمامات، لعل أهمها: تلك الفجوة البادية للعيان بين درس مقررات مثل النظرية ( سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، الخ) ودرس ظواهر الحياة، الفجوة الكامنة في عقول المثقفين بين النظرية القيمية والنظرية الإمبيريقية، الخلط المسيطر علي الخطاب بين الأيديولوجية والفلسفة والعلم ومعرفة البداهة، كيفية تقويم أعمالنا وقوانيننا وسياساتنا؛ إن قومناها، وكيف نؤسس ونحبذ مقترحات الإصلاح، أو حتى كيف نديرها.

الاعتبار الثاني نظرة إلي القيم تتشكل تدريجيا ولم تنضج بعد، ولكن ملامحها هي:

الحق أساس الوجود ومرماه، العدل تاجه، الحرية مصباحه، الكفاية غايته، الشرعية مقايسته، الفعالية حسابه، الكفاءة وسيلته، المساواة عكازه.

الحق : لا شيء يبقي إلا الحق، تسعي إليه البشرية حتى قيام الساعة، حينئذ يقضي الله تعالي بينهم بالحق ذاته.

العدل : إن لم تتسم حركة الكون بالتناغم والانسجام، فلن تكون إلا ضرب عشواء وضروبا من الصدام، ولا طريق إلي التناغم والانسجام إلا العدل، فالعدل تاج الوجود، قيمته العليا، وإن بقي الناس في تظالم أبد الآبدين.

الحرية : جماع الانعتاق والإرادة، بدونها يقاد المرء أو يسير، فلا حساب ولا مسئولية، ولا مطالب ولا قدرة، هي الضوء علي طريق العدل إلي الحق.

الكفاية : غاية العمران البشري، علي مستوى الفرد والجماعة.

الشرعية : مقايسة التمييز بين الصواب والخطأ، بين ما يجب وما لا يجب.

الفعالية : مقياس الأعمال، سواء كانت فاعلة مؤثرة أو تصوّر أنها كذلك.

الكفاءة : وسيلة تعظيم الفاعلية والكفاية.

المساواة : عصا يتوكأ عليها من يعجز لا من يقصر، وإذا نبع العجز من غيره لا منه هو.

بغض الطرف عن صياغة هذه النظرة، فإني أبحث فيما أقرأ عن حجج تؤيدها أو حجج تدحضها أو حجج تعدلها.

نقسم المعالجة إلي ثلاثة أبواب، يقدم أولها بناء نظرية نوزيك، ولذلك ستكون بعض الأفكار الواردة فيما بعد تطويرات أو توضيحات، ويركز الباب الثاني علي اقتراب نوزيك في بناء هذه النظرة، ثم يعالج الباب الثالث بعض المسائل والقضايا المحورية التي تطرحها وتثيرها النظرية، ونسبق كل هذا في هذه المقدمة بنظرة عامة علي النظرية.

وليدرك القارئ قيدين: الأول؛ أعد هذا النص كمحاضرات، ولذلك لا يخلو من تكرار، وكذلك لا يخلوا من فجوات، الثاني؛ أننا لا نهتم بنظرية المسوغات التي وضعها نوزيك لذاتها، كتجربة فكرية، ولا نهتم بها كما لو كنا أبناء الحضارة الغربية التي تعبر عنها ووضعت في سياقها، وإنما نهتم بها لأنها تمس بعض احتياجاتنا، ولأن بعض جوانبها تتسق مع حضارتنا، فضلا عن كونها درسا تعليميا.

تحفظات على نظرية رولز: حاج رولز أنه حصل أن صار للفرد مواهب وقدرات لا يسأل عنها بأي حال، ومن ثم لا تستحق أي جدارة أخلاقية، فهذه المواهب عواقب " لحظ طبيعي" فقد حصل أنه ابن هاذين الوالدين لا غيرهما، ترعرع في هذا البيت لا في غيره، شجع على تنمية قدرات معينة لم يشجع آخر على تنميتها، فلا يمكن ادعاء أن هؤلاء الأفراد يستحقون مكافأة، إنما يمكن القول بأنه في المركز الأصلي يمكن أن يتفق الأفراد على ترتيب اجتماعي يكافأ فيه الأفراد بشكل غير متكافئ على أساس المواهب المختلفة، إذا وفقط إذا كانت التفاوتات الناتجة من توزيع المكافآت هذا تحسن الوضع العام للجماعة الأقل حظا في المجتمع.

هذه طريقة فجة للتفكير في نفسك، مجرد حادث سعيد، حزمة من المواهب قدر لك أن تحملها ( ولا تستحق عليها ثناء)، يرى التقليد الليبرالي الكلاسيكي -كما وضعه لوك- الفرد ذا علاقة ملكية أصيلة بالنسبة لذاته، أول ما يمتلك جسده، له فيه ( بعد الله) ادعاء أولى، تحول رولز - في نظر نوزيك - عن هذا المركز إلى " فكرة حقوق الملكية ( الجزئية ) في الناس الآخرين".

يرتبط بهذا مركز رولز من الناتج الاجتماعي؛ تُعرض مشكلة العدالة كمسألة كيف توزع سلة اجتماعية من السلع حصل أن وجدت ولا يعلم كيف وجدت، هنا يميز نوزيك بين تصورين للعدالة كناتج تاريخي وكناتج نهائي، أما التصورات التاريخية فتحسم مسألة ما إذا كان توزيع عادلا أم لا بالسؤال عن كيف وجد، فتطرح أسئلة عن تاريخ التوزيع: من حصل على ماذا ممن وبأي طريقة؟ أما تصورات الناتج النهائي فتتجاهل كيف وجد التوزيع وتحاول الوصول إلى مبادئ لتوزيع ناتج حصل أن جاءهم من حيث لا يعلمون، فأحد الأشياء التي ننساها وراء غمار الجهل أن الأشياء التي نقسمها لم تهبط علينا من السماء، وإنما أنتجها على الأرض أفراد، وكأنما يحاج نوزيك بأن واقعة وجود تاريخ لهذه الأشياء يمكن تذكره هام بالنسبة إلي تحديد معنى العدالة .

بناء على هذه الاعتراضات يناقش نوزيك فكرة المركز الأصلي عند رولز: استبعد رولز من الاعتبار كل شئ يمكننا من تحديد العملية التاريخية الفعلية التي ظهر بها توزيع السلع في المجتمع، فما لدينا إلا نظريات بديلة للغاية النهائية نختار منها، اقتراب رولز ذو معنى إذا تأكدنا أن تقرير التوزيع العادل لن يأخذ مسار الفحص التاريخي الشارح لكيف وزعت السلع، يحاول نوزيك تقديم هذا التقدير في نظرية المسوغات.

بديل نوزيك: المسوغات: يبدأ نوزيك بالاعتراض على فكرة أن التوزيع العادل لابد أن يأخذ صورة توزيع مركزي للأنصبة بناء على نمط ما، إذ يمكن تصور حصول هذا التوزيع من خلال سلسلة من القرارات الفردية ( هدايا، مبيعات، .. الخ)، ولا يمكن توقع أن تلتزم عواقب هذا التوزيع بأي نمط توطد قبل، إنما المتوقع أن تقوض الحرية الفردية بانتظام الأنماط، خذ مثال لاعب كرة.

  1. ابدأ بتوزيع منمط طبقا لمبدأ مفضل للعدالة.
  2. تصور موقفا يعطى فيه الأفراد فرصة مشاهدة مباريات يشارك فيها هذا اللاعب مقابل جنيه.
  3. في نهاية الموسم، تغير التوزيع الأولى، مزق النمط إربا.
  4. يلزم عن هذا إما أن توجد إعادة توزيع مستمرة للحفاظ على النمط المفضل، وإما أن توجد قيود صارمة على حرية الأفراد في عمل ما يريدون بممتلكاتهم.
  5. السؤال الوحيد الذي يمكن طرحه بشأن التوزيعات المبنية على مبادئ تاريخية ما إذا كان الأشخاص الذين أنتجت أفعالهم التوزيع يستحقون أداء تلك الأفعال هنا تأتى نظرية المسوغات ، ولها مكونات ثلاثة:
  6. شروط الحيازة الأصلية ( وضع اليد) للممتلكات.
  7. شروط انتقال الممتلكات من فرد إلى آخر.
  8. شروط تصحيح المظالم في الممتلكات: مواجهة فكرة تعويض المضارين عن المضار الحاصلة من الحيازة والانتقال غير المبررين.
  9. هنا تبرز نظرية لوك في الملكية مثالا لنظرية المسوغات التاريخية:
  10. يأتي الحق في الملكية الأصلية من مزج العمل بشيء غير مملوك لأحد.
  11. إلا أن القيود تظهر إذا أدى تخصيص شئ غير مملوك إلى الإضرار بموقف آخرين، ومن ثم فالشرط أن يترك الكافي والجيد مشتركا مع الآخرين.
  12. لن ينهار هذا الشرط إلا عندما نقترب من تحديد شروط الاحتكار، ويفترض نوزيك أن تشغيل السوق الحر ليس من الغباء بحيث يقوض هذا الشرط، ومن ثم لا حاجة لتدخل الدولة لإعادة توزيع الملكية.

نظرية المسوغات علي هذا النحو هي العمود الفقري في مذهب نوزيك الليبرالي، الذي يبدأ ببيان أن " دولة الحد الأدنى" هي الصورة الوحيدة للدولة دون أن تخرق حقوق الأفراد، ويشرح هذا في نظرية الفطرة، وينتهي ببيان أن " دولة الحد الأدنى" هي الإطار الطوبائي المعقول لكل الطوبائيات.

اعتراضات مبدئية على نظرية نوزيك:

- أول وأبسط الاعتراضات إذ يعترض على رولز أنه قدم نظرية ناتج نهائي، لا يمكن القول أن رولز فعل ذلك، تصدق اعتراضات نوزيك على نظرية أرسطو إذا يوجد توزيع مركزي ومثل أعلى للنمط التوزيعي العادل أما رولز فلم يلتزم بأي نمط توزيعي، كل ما عمله أن قدم لنا مبادئ تسمح لنا بتقويم الأنماط التوزيعية.

- يمكن القول أن مؤسسة الملكية - حتى في ضوء نظرية الاستحقاق - تمثل قيدا على الحرية الفردية، ومن ثم لن تقل صعوباتها عن صعوبات نظريات الناتج النهائي، فيقال إذ تدعم ملكية شيء حرية فرد امتلكه - ويستطيع أن يعمل به ما يشاء - فإنها تقلص حرية الآخرين، عليهم أن يرتبوا حياتهم بحيث لا يستخدمون ذلك الشىء، فكيف يحصل هذا التقليص للحرية شرعيا؟ احتمالان: أحدهما التعاقد، أن يوافق الناس على هذا التقليص ( يوافقون كشرط من شروط العقد الاجتماعي)، والثاني حجة لوك في الحق الطبيعي، أن يصبح مالكا للشيء دون رضا الآخرين ( فالملكية سابقة علي العقد الاجتماعي)، لاحظ أن هذه الانتقادات لا تنصب على نمط التوزيع الناشئ، إنما مسألة الاستحقاق الذي يدعى بالنسبة إلى المملوك، أيوجد " حق طبيعي" في المملوك سابق على أو خارج الترتيبات الاجتماعية.

لا تسفر حجة العقد ولا حجة الحق الطبيعي عن حق في حيازة فردية وملكية دائمة محررة من الأغلال، فمركز التعاقدين مبنى على رضا الكل على نظام للملكية نابع من إدراك أن هذا النظام لصالح كل واحد على أفضل نحو، ففي غياب الموافقة على السماح للأفراد بالتملك لن يبذل أحد جهدا لجعل الأرض أكثر إنتاجية ( لماذا تزرع المحاصيل إن لم يكن من حقك الاحتفاظ بناتج الأرض؟) فيواجه التعاقديون اختيار إما لا ملكية للأرض وإما ملكية فردية، فاختاروا الملكية الفردية كأفضل حالة، لكن لا مبرر لافتراض وجود بديلين فحسب، ملكية أو لا ملكية، لم يكن التعاقديون ليفكروا في ملكية مشتركة لكل الأرض، ومن ثم يفكرون في مخطط لضمان أن يحصل الأفراد الأقل ميزة على أقل نصيب، ومن ثم لا ضرورة لاعتبار الحق في الرفاه تجاوزا للحرية الطبيعية للأفراد في حالة الفطرة، إذ ينبع مباشرة من اعتبارات الحرية الطبيعية ( كما يبدو في اقتراح رولز).

أضحت الحجج المبنية على نمط حجة لوك أكثر أهمية، إذ أن تقديره للاكتساب المبدئي تتحاشى صراحة موقف الاختيار حيث لابد أن يوافق كل واحد على امتلاك الأرض، إنما من حق كل واحد أن يمزج عمله بأي أرض غير مملوكة، ومن الجدير التمييز بين السماح بتنظيف الأرض، ومنزلة الأرض المنظفة فعلا، فقد وطد ميل الحق في تنظيف أرض غير مملوكة، ولم يوطد شيئا بشأن كيف ينظر المجتمع في ادعاء ملكية أرض منظفة فعلا، ومن ثم لا شئ يستبعد ترتيبات كالتي ذكرناها، اتفاق على أن من يحيى أرضا مواتا يملكها، بشرط أن يعطى مثلا 10% لأولئك الأقل حظا.

 

 


الموقع

بيانات شخصية

المقررات الدراسية

التحليل السياسي

البحوث العلمية

إعادة بناء المشروع العلمي لأفلاطون

مشروعات المجتمع الجديد

أنباء وآراء

واحة التدريب

El Sayed A.M.A. Ghanem
Copyright © 2001 by Ghanem. All rights reserved.
Revised: 15 Oct 2001 22:25:19 .
Retrieved: